أهداف الثلاثة: خلق
صفوة موالية للغرب، إنتاج أيدٍ عاملة تتواءم مع متطلبات هذه المؤسسات، وإعادة تشكيل
السوق من خلال عمليات البث الثقافي.
فأولاً: يرتكز المشروع الأوربي/ الأمريكي
للتغلغل في أنظمة تعليم العالم الثالث على فكرة خلق نظام عالمي تسهم فيه الصفوة،
تحت وهم "التعاون" و"التفاهم الدولي" و"تولي المراكز الاقتصادية تبعاً للإمكانيات
الفردية" أي بعيداً وبصرف النظر عن الانتماءات الوطنية. ويذكر "إيف اود" أن الألفة
الثقافية والممارسة التلقائية والمتمرسة لثقافية ولغة البلد المهيمن، والتقليد في
السلوكيات اليومية وفي انتقاء الرموز الاجتماعية –تلك التي تكتسب في الجامعات
الأجنبية- هي الكفيلة بتحويل طبقة أجنبية حليفة إلى "ملحق" بكل معاني الكلمة لمركز
القوة والهيمنة الإمبريالي().
وثانياً: تلعب الجامعات الأجنبية دوراً على قدر
كبير من الأهمية للاستثمار الغربي بوجه عام. ولقد سعت الشركات متعددة الجنسيات، منذ
بداية نشاطها إلى توظيف الوطنيين في المناصب الإدارية، لأن بإمكانهم فهم طبيعة
الأسواق المحلية، واستيعاب النزعات العدائية ومواجهتها بفاعلية. وفضلاً عن ذلك
تزودهم هذه الجامعات بأساليب الإدارة الشائعة في الغرب، وتقنيات العلاقات الإنسانية
الحديثة. وهكذا تقوم الجامعات الأجنبية بترسيخ حالة التبعية الاقتصادية في العالم
الثالث وتعزيزها .
وثالثاً: فإن ما يربط بين الجامعات الأجنبية باعتبارها
"شركات ثقافية" والمشروعات التجارية، يتمثل في تهيئة السوق للسلع الاستهلاكية
الغربية، والعمل بدأب واستمرار من أجل اتساعه. وكثير من السلع الأجنبية مثل
المعلبات، وساعات اليد، والصابون، ومستحضرات التجميل، وأجهزة التسجيل وشرائطها،
والملابس الجاهزة، والدخان، والمربات، وأجهزة الراديو والتليفزيون، والمنظفات
الصناعية، والآلات والسيارات، والعدسات والنظارات.. كان ينتج محلياً، لكنها –مع
زيادة ارتباط المجتمع بالسوق العالمي- ارتبطت بالمؤسسات متعددة الجنسية. بيد أن نمو
سوق السلع الاستهلاكية الغربية والأمريكية، يعتمد –جزئياً- على انتشار القيم
والأذواق الغربية. ولذلك تم بث أنماط الحياة الأوربية والأمريكية بواسطة الإعلانات،
والمجلات، والأفلام السينمائية والبرامج التليفزيونية، لكن أكثر أدوات التغريب
فاعلية ونجاحاً، تمثلت في "التنشئة الاجتماعية والسياسية" التي تقدمها الجامعات
الأجنبية، حيث تعزز لدى المواطنين من جمهورها نزعة تقليد الغرب. وبعد أن غدا نمط
الحياة الأوربية جزءاً من معايير المكانة الاجتماعية الرفيعة، أخذ سوق السلع
الاستهلاكية الغربية في الاتساع، مع زيادة أعداد المتعلمين في هذه الجامعات.
وفي إطار هذه الخلفية عن دور الجامعات الأجنبية في مجتمعات العالم الثالث،
تضطلع الورقة الحالية بإلقاء الضوء على العلاقة بين التطورات التي شهدتها الجامعة
الأمريكية في القاهرة خلال العقدين الماضيين، وتبني المجتمع المصري سياسة الاقتصاد
الحر، وسعيه للحاق بالسوق الرأسمالي العالمي.
وجدير بالذكر أن الجامعة
الأمريكية قد شهدت –منذ منتصف السبعينيات- توسعاً هائلاً في برامجها ومبانيها
وأعداد الملتحقين بها من الطلاب، وتعاظم بالتالي مدى تأثيرها في الحياة الثقافية
والسياسية المصرية. ورغم ذلك لم يوجه الباحثون اهتمامهم إلى تناول تطور هذه المؤسسة
التعليمية المهمة، وما يجري داخل قاعاتها وأروقتها، والبرامج التعليمية التي تحفل
بها.
ذلك الأمر يدعو للدهشة والاستغراب، فرغم أن هذه الجامعة تعد بمثابة مركز
إقليمي أمريكي يخدم مصالح الشركات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والمصالح
السياسية والعسكرية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى الدور الهام الذي يقوم به في
التدريب وفي خدمة شبكات دراسات الشرق الأوسط، ومساندة الدعاية للولايات المتحدة
سياستها، إلا أن صمتاً مريباً يعم كافة مراكز البحث العلمي التربوي حول هذا الدور،
وتكاد الدراسات تنعدم في هذا الصدد.
وتدعو ندرة الأدبيات المتصلة بنشأة الجامعة
الأمريكية ومبررات قيامها إلى أن نفرد القسم الأول من الورقة لعرض هذا الموضوع، ثم
يعقبه القسم الثاني حول آثار سياسة الانفتاح الاقتصادي على زيادة موارد الجامعة
المالية، ويخصص القسم الثالث للتوسعات التي شهدتها الجامعة في أقسامها وبرامجها
خلال العشرين سنة الماضية.
الجامعة الأمريكية والهيمنة الثقافية :
تعود
أصول فكرة إنشاء جامعة أمريكية في مصر إلى قيادات إرساليات التبشير الديني التي
بدأت في التوافد على مصر وممارسة أنشطتها التبشيرية التعليمية منذ منتصف القرن
التاسع عشر. ورغم الشعارات الإنسانية والروحية البراقة التي روج لها خطاب إرساليات
التبشير الديني بوجه عام، فمن المهم الإشارة إلى أن كثيراً من الدراسات التاريخية
والاقتصادية، أكدت بما لا يدع أي مجال للشك، أن هذه الإرساليات لعبت دوراً مهماً في
تثبيت أركان الاستعمار الأوروبي، وتحقيق اندماج بلدان العالم الثالث في السوق
الرأسمالي العالمي. وبهذا المعنى، كانت الإرساليات أدوات للاستعمار من الناحية
العملية، مثلها في ذلك، مثل الجنود والتجار، والمستكشفين.
ولم تكسر الإرسالية
الأمريكية في مصر هذه القاعدة، فلقد كان "شارلز واطسن" Charles Watson مؤسس الجامعة
الأمريكية، يؤيد بشدة الاحتلال البريطاني، حتى أنه في كتاباته أشاد بإعلان "لورد
روانا اسفري" Lord Roseberry "الإمبراطورية البريطانية تعد بحق: أعظم قوة مدنية للخير
عرفها العلم()"
ومن ثم، يمكن القول إن دور الكنيسة كان يتمثل أساساً في الإبقاء
على العلاقات الاجتماعية للاحتلال، بوصفه امتداداً للدور الذي لعبته في الإبقاء على
العلاقات الاجتماعية الرأسمالية في أوربا.
وتجدر الإشارة بداية إلى أن العمل
التبشيري الأمريكي بدأ في مصر في 15 نوفمبر سنة 1854م بوصول "القس توماس ماكاج"
وزوجته إلى القاهرة، وتبعهما بعد وقت قصير القس "جيمس بارنت" وكان مركز هؤلاء
المبشرين دمشق، وأرسلتهم إلى مصر كنيسة الإصلاح الجماعية التي اندمجت عام 1858م مع
الكنيسة الجماعية لتكونا الكنيسة المشيخية المتحدة لأمريكا الشمالية.
ولقد وصل
المبشرون الأمريكيون مصر، كما في بلاد الشرق الأدنى الأخرى، وكلهم لهفة على تحولي
المسلمين إلى المسيحية، ولكنهم ووجهوا بمقاومة شديدة، دفعتهم إلى التركيز على
الأقلية القبطية والمسيحية. ولذا كانت غالبية من تحول إلى مذهبهم من الأقباط. ومن
أجل تحقيق أغراضهم أنشأوا كنيستهم الخاصة: الكنيسة البروتستانتية أو الإنجيلية()
على أنهم وجدوا أنفسهم –بعد فترة وجيزة من الزمن- مضطرين إلى تحويل نشاطهم من
التبشير إلى التعليم.
ومن المؤكد، أن "الإرسالية الأمريكية" أحرزت نجاحاً
هائلاً، بل ومنقطع النظير، في مجال الهيمنة على عمليات تعليم المصريين، وتوجت هذا
النجاح بتأسيس أضخم جامعة أمريكية خارج الولايات المتحدة وهي الجامعة الأمريكية
بالقاهرة.
قامت "الإرسالية الأمريكية" بافتتاح أولى مدارسها في القاهرة عام
1955م للأولاد، تلاها في تتابع سريع مدارس منفصلة للأولاد وأخرى للبنات في
الإسكندرية وفي مختلف مدن الصعيد. ويمكن الحكم على التقدم الحقيقي لبرنامج
الإرسالية التعليمي بدراسة إحصائيات عام 1881م. فلقد كان للإرسالية في ذلك العام
معهد لاهوتي في أسيوط، وأيضاً كلية تعليمية، 39 مدرسة للبنين، 9 مدارس للبنات. وبلغ
إجمالي عدد الطلبة والطالبات 2410 منهم 896 في مدارس الإرسالية مباشرة، والباقي في
مدارس تحت إشراف الإرسالية، ولقد ارتفع عدد المدارس التابعة لمكتب التبشير المشيخي
الأمريكي في عام 1914م إلى 191 مدرسة، تضم 17000 طالباً وطالبة، منهم أكثر من 5000
طالبة، أي ما يربو على أكثر من ستة أضعاف الملتحقات بالمدارس الحكومية آنذاك، كما
كان حوالي 25% من هؤلاء الطلاب من المسلمين()!
ويكتب "ريتشارد بيردسلي" القنصل
العام الأمريكي عام 1873م تقريراً ذكر فيه أن ثلاثة أرباع موظفي الحكومة في
التلغراف والسكك الحديدة ومكاتب البريد، تلقوا تعليمهم في مدارس الإرسالية().
كما كتب "لويس ادنجز" عام 1907م رسالته "من أجل الأهداف الفكرية والروحية" قال
فيها:
"لقد احتل الأمريكيون مصر تماماً مثلما فعلت إنجلترا التي كانت أغراضها
مادية، لقد كان للمبشرين الأمريكيين هناك، أفضل، وأغلب المدارس والمستشفيات
القائمة"().
ورغم أن النجاح الضخم للمؤسسات التعليمية التي أسستها الإرسالية
الأمريكية، كان وراء تفكير "شارلز واطس" في إنشاء "جامعة أمريكية" في القاهرة، إلا
أن الباعث الحقيقي أنه كان يسعى إلى إنشاء مركز تعليمي على غرار كلية أسيوط التي
اضطلعت بمهمة تعليم الشباب المصري البروتستانتي أساساً، وتغلغلت من خلالهم في أعماق
الثقافة المصرية في الوجه القبلي.
وكانت كلية أسيوط، ومعها معهد برسلي التذكاري
للنساء قد بدءآ نشاطهما عام 1865م في وقت واحد. وكان دورهما الرئيسي تدريب النشء
المصري من البروتستانت. بيد أنهما كانا يضمان أيضاً مسلمين ويهود وغيرهم. وقد بلغ
عدد المسلمين المدونين في سجلات هذين المعهدين عام 1882م :566 طالباً وطالبة، أي
حوالي 18% من إجمالي عدد الطلبة البالغ 3070 طالباً، وكان مما يدعو "واطسن" للأسف
أنه لا يوجد مؤسسة شبيهة بكلية أسيوط في القاهرة().
بدأت فكرة "الجامعة
الأمريكية" تطفو على السطح للمرة الأولى في عام 1899م، حيث دعت ثلاث إرساليات
تبشيرية، من بينها الإرسالية التي كان يخدم بها "أندرو واطسن" والد "شارلز واطسن"،
إلى تأسيس "كلية مسيحية بروتستانتية" تقوم على أساس التعليم باللغة الإنجليزية،
وتتشابه مع كلية "روبرت" في استانبول، أو "الكلية البروتستانتية السورية" (التي
أصبح اسمها فيما بعد الجامعة الأمريكية في بيروت) ().
وأكد المسئولون عن هذه
الإرساليات أن المجتمع المصري في حاجة إلى مؤسسة تعليمية من هذا النوع، يرحل حوالي
60% من شباب مصر، سنوياً، إلى بيروت للحصول على فرص تعليمية متقدمة، واعتقد هؤلاء
المسئولون أن التقدير المبدئي لعدد الملتحقين بالمؤسسة المزمع إنشاؤها لا يقل بحال
من الأحوال عن 500 طالباً().
وفي عام 1903م، تكونت من هذه الإرساليات، لجنة
لدراسة الموضوع، لكن "مجلس الإرساليات الأجنبية بالكنيسة المشيخية المتحدة
بالولايات المتحدة الأمريكية" لم يهتم في ذلك الحين بالنظر في هذه الفكرة. وظل
"واطسن" يسعى خلال السنوات التالية، حتى أنه قابل بمصاحبة "روبرت ماكليناهان" مدير
كلية أسيوط، ممثل "جون روكفلر"، لعرض الفكرة عليه، وحثه على تمويلها، لكن اللقاء لم
يثمر بسبب إصرار "واطسن" على أن تظل الجامعة مسيحية، وتحت السيطرة الكاملة
للإرسالية الأمريكية، على أن "روكفلر" عاد ومنح في عام 1907م، "الكنيسة المشيخية"
مبلغ 100.000 دولار لاستخدامها في شراء الممتلكات الثابتة في مصر، على أن يخصص
الجزء الأكبر من هذه المنحة في تشييد المباني اللازمة لكلية أسيوط().
وفي عام
1911م ضم مؤتمر المبشرين الذي انعقد في الهند، قيادات مسيحية من كنائس متعددة،
وصدرت آنذاك توصية المؤتمر بإقامة كلية مجهزة تجهيزاً حديثاً تشرف عليها الإرساليات
التبشيرية الموجهة للمسلمين بالقاهرة.
وقام "واطسن" في عام 1912م، يشاركه
"سيلر"، وهو من المتخصصين بجامعة كولومبيا، في مجال الجهود التعليمية للإرساليات
التبشيرية، ومعهما "روبر ماكليناهان" بدراسة علمية، على أساس واقعي، لمدى إمكانية
إقامة جامعة مسيحية بالقاهرة. وأجرى الفريق مسحاً شاملاً لجميع مدارس القطر المصري،
في الريف والحضر الخاصة والحكومية، المدارس الابتدائية والثانوية، وفي ثنايا هذه
الدراسة، قابل الثلاثة مديري المدارس، مستفسرين عن نسب الالتحاق ومعدلات الرسوب
والنجاح، والفلسفة التعليمية وأهداف المدرسة، كما قابلوا "حشمت باشا" وزير المعارف
في ذلك الحين ومستشاره الإنجليزي "دوجلاس دانلوب" وعرضت نتيجة هذه الدراسة، في
مؤتمر عام للمبشرين بالإسكندرية().
ونتيجة لهذه الجهود، طرحت "الإرسالية
الأمريكية" في عام 1912م توصية إنشاء الجامعة، ورفعتها إلى مجلس الإرساليات
الأجنبية بالكنسية المشيخية المتحدة بالولايات المتحدة. ووصل الدكتور "صمويل زويمر"
المعروف بنشاطه التبشيري في الجزيرة العربية إلى مصر عام 1912م، للعمل جاهداً في
تنفيذ هذا المشروع. وفي العام التالي، وافقت الجمعية العمومية للكنيسة الأبوية على
تلك التوصية، وتم اختيار مجلس أمناء على أساس ديني يتولى أعمال المراقبة والتنظيم،
تقرر عقد أول اجتماع في 30 نوفمبر 1914م. وتوقعت بمختلف الكنائس البروتستانتية
بمصر، أن يكون لها نفوذ ملموس في اختيار مجلس الأمناء، إلا أنه في يونيو 1914م،
اقترح "اللورد كتشنر" وكيل قنصل عام بريطانيا في مصر –نظراً للمعارضة القوية من
المسلمين- تأجيل افتتاح المؤسسة الجديدة مدة عام، على أن يتم إنشاؤها في الإسكندرية
بدلاً من القاهرة. ومن الناحية الفعلية، لم يتيسر إنشاء هذه الجامعة الجديدة قبل
عام 1920م وكان مقرها القاهرة().
وضم أول مجلس أمناء بعض كبار رجال الدين
والمال والعلم منهم "جون ماكلوركين" رجل الدين المعروف في مدينة بتسبرج، والدكتور
"وليام هيل" الذي كان يمتلك هو وأسرته أضخم شركة لقطع الأخشاب بالولايات المتحدة،
وكان في نفس الوقت يُدرس الإنجيل وتفسيراته في كلية "فاسار"، و"الكوت" من كبار رجال
الأعمال بنيويورك، و"جوزيف ستيل" من ذوي الخبرة في إدارة الجامعات والشئون الإدارية
والمالية، كما ضم أيضاً رئيس جامعة روتجرز، "ديمترتس" و"صمويل ثورن" من خبراء
القانون().
استقر الأمر إذن، على أن تكون الجامعة الناشئة ممثلة للكنيسة
البروتستانتية، وتضم قسماً للبنين فقط، مهمته إعداد الطلاب لمواصلة التعليم في مصر،
أو بيروت، أو أوروبا وأمريكا، لكن الذين لا يرغبون في الاستزادة من التعليم، يمكنهم
الانانا اسفط في الحياة المصرية بشكل فعال، ويمكن أن يتيح هذا القسم للطلاب بعض
التسهيلات في الإقامة. فضلاً عن ذلك تمنح الجامعة الجديدة، تدريباً متقدماً، في
ميادين التعليم، والهندسة، والاقتصاد، والصحافة، والعقيدة، والقانون.
وهكذا برز
إلى السطح، ثلاثة معايير أساسية: أولها: أن تكون المؤسسة الناشئة في مستوى جامعي
حقيقي، وثانيها: تكريسها لمستوى رفيع من الكفاءة، وأخيراً: أن تكون -هذه المؤسسة-
ذات توجه مسيحي. ومن ثم، كان لابد أن يتكون مجلس الأمناء بموافقة مجلس الإرساليات
الأجنبية، من أجل ضمان ألا يسيطر على الجامعة الناشئة، سوى الكنيسة المشيخية، وهذا
في حد ذاته يضمن التزامها بالمثل المسيحية.
وثار جدل في مجلس الأمناء حول اسم
الجامعة الجديدة. هل يطلق عليها "الجامعة المسيحية". أو "المؤسسة الأمريكية للتعليم
المسيحي في مصر والشرق الأدنى"، أم تسمى "مجتمع كليات القاهرة"؟ وفي ديسمبر 1917م،
صوّت الأمناء بالموافقة على إطلاق اسم "الجامعة الأمريكية بالقاهرة" A.U at Cairo
نتيجة اعتراض أحد كبار المسئولين في الحكومة المصرية على الاسم السابق. ومع ذلك
استمر القائمون على الجامعة يستخدمون اسم "الجامعة المسيحية" فيما بينهم().
وفي
هذا الوقت، بدأ "واطسن" حملات واسعة لجمع التبرعات اللازمة لإقامة المؤسسة الجديدة.
وكان يسانده في هذا الشأن "جورج إنيس" رجل الأعمال المعروف بفيلادلفيا، و"وليم
بانكروفت هيل" وزوجته، واللذين سبق الإشارة إلى أنهما من أثرياء الولايات المتحدة،
وكرسا حياتهما لخدمة الجامعة الأمريكية متبرعين بأكثر من مليون دولار خلال الفترة
من 1915م إلى 1945م.
ونجح "واطسن" في جمع أكثر من 170.000 دولار قبل تشكيل مجلس
أمناء في سنة 1914م. وفي سبتمبر 1919م توفر للجامعة من حصيلة التبرعات أكثر من
18.000 دولار. ومع هذا النجاح الهائل، بدأت رحلة البحث عن مكان تستقر الجامعة
فيه().
واتفق "واطسن" على شراء أحد القص
ور الواقعة بالقرب من ميدان الاسماعلية
(ميدان التحرير فيما بعد)، ويتكون من عدة مباني صغيرة، فضلاً عن حديقة تصلح كفناء
ويمكن استغلالها في إضافة مبانٍ أخرى فيما بعد. ويقال إن هذا القصر بناه الخديوي
إسماعيل، واتخذه أحمد خيري باشا، أحد المقربين من الخديوي ووزير المعارف حينذاك،
مقراً له خلال سبعينيات القرن الماضي واشتراه مواطن يوناني، يدعى "نستور جاناكليس"
وحوله إلى مصنع للدخان.
ولقد أصبح هذا المصنع فيما بعد مكاناً "للجامعة
المصرية" الأهلية في سنة 1909م، وألقى بها "تيودور روزفلت" محاضرة خلال زيارته
للقاهرة. وبعد انتقال الجامعة المصرية إلى الجيزة، فكر "واطسن" في اتخاذه مقراً
للجامعة الأمريكية، وتم شراؤه فعلاً في 18 إبريل عام 1919م مقابل مبلغ 93000
دولاراً أمريكياً، وقدمت الحكومة المصرية للإرسالية الأمريكية مساعدات جمة، من أجل
الحصول "قصر جاناكليس"، بعد أن كان مؤجراً لإحدى المدارس التجارية، لكن جهوداً
حكومية يسرت حصول الأمريكيين عليه().
وسافر "واطسن" إلى واشنطن في يوليو سنة
1919م لاعتماد القرار النهائي بإنشاء الجامعة الأمريكية بالقاهرة. ووافقت إدارة
التربية بمنطقة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية على الترخيص بتأسيس الجامعة
الجديدة. ونظراً لظروف الحرب، لم يكن بالإمكان اتخاذ إجراءات افتتاحها رسمياً، حتى
بعد وضع لائحتها، والحصول على مكان لها، وجمع تبرعات واسعة. فضلاً عن تعيين مديري
الأقسام. وانشغل "واطسن" طوال سنوات الحرب بالمساهمة في وضع برامج إغاثة ضحايا
الحرب في أوروبا، ثم شارك، بعد الحرب، في مؤتمر السلام الذي عُقد في "فرساي" ممثلاً
مصالح الإرساليات التبشيرية الألمانية.
وتقرر افتتاح الجامعة، واستقبال الطلاب
في عام 1920م، وكلف "روبرت ماكليناهان"، مدير كلية أسيوط سابقاً، يتولى مسئولية
إدارة المؤسسة الجديدة بالقاهرة، كان معظم أعضاء هيئة التدريس من الأمريكيين. ولكن
تم تعيين بعض المصريين، من بينهم "أمير بقطر"، المتخرج في أسيوط، والذي درس بمدارس
الإرسالية الأمريكية في بني سويف، وكان معروفاً عنه تحليه بمهارات العمل مع كل من
المصريين والأمريكيين. وعمل في بداية نشأة الجامعة، سكرتيراً مترجماً، ثم تولى
مناصب أخرى إلى أن أسند إليه إدارة قسم التربية. ومن المصريين الذين عملوا بالجامعة
خلال هذه الفترة، "إسماعيل حسين محمد" (مدرس اللغة العربية)، و"إسماعيل حسين مصطفى"
(مدرس الرياضيات)، و"إبراهيم مسيحة" (مدرس الجغرافيا)، و"حبيب اسكندر" (مدرس
وإداري) و"خليل رزق" (نائب رئيس الجامعة في فترة لاحقة)، و"اسطفانوس خليل" (ضابط
الجامعة) ().
وتأسست لجنة لتوجيه سياسة الجامعة، من أعضائها "واطسن"
و"ماكليناهان"، تضطلع بمسئوليات تخطيط ميزانية الجامعة، واتخاذ معظم القرارات
الرئيسية في القاهرة، والإشراف على أوجه الإنفاق المختلفة وتحديد البرامج الدراسية،
وتعيين المدرسين.
وافتتحت الجامعة رسمياً في 5 أكتوبر سنة 1920م وبدأت بكلية
الآداب والعلوم، التي تكونت من قسمين مختلفين يناظران البرامج الدراسية بالسنة
النهائية من المدرسة الثانوية الأمريكية. يدرس الطلاب في القسم الأول آداب اللغة
الإنجليزية، وبرامجه على غرار النمط الأمريكي. أما القسم الثاني فيناظر الثانوية
المصرية والدراسة به باللغة العربية، ويشجع الطلاب الذين ينوون استكمال دراساتهم
بالجامعة الأمريكية أو بالخارج على الالتحاق بقسم الآداب الإنجليزية.
تقدم
للجامعة في عامها الأول 142 طالباً كلهم من البنين، حيث كانت قد افتتحت كلية أخرى
للبنات في القاهرة خلال هذه الفترة. ولم تبدأ الجامعة في قبول التحاق الطالبات بها،
إلا منذ عام 1928م، بعد التحاق "إيفا حبيب المصري" بدراساتها وإثبات كفاءتها
وتفوقها، ونجاحها في الاضطلاع برئاسة نادي الطلاب، كما أنها قامت بتحرير جريدة
الجامعة وحصلت على عدة جوائز.
كانت مدة الدراسة في كلا البرنامجين، الإنجليزي،
والعربي، عامين. وتوجه الاهتمام في برنامج الآداب بالإنسانيات والفنون الحرة وكثير
من مقررات العلوم والآداب والفلسفة والعلوم الاجتماعية فضلاً عن تدريب مكثف في مجال
اللغة الإنجليزية. وأولت الجامعة –خلال سنواتها الأولى- عناية فائقة للجانب الديني،
بحسب عقيدة الطلاب، ولكن من المهم الإشارة، إلى أن خلفية، الأساتذة في غالبيتهم،
خلفية مسيحية، ومع ذلك اعتقد "واطسن"، أن الطلاب، من ذوي الخلفيات الدينية، قد
يستفيدون من هذا الوضع بدرجة كبيرة().
واشتمل برنامج الجامعة على أنشطة يومية
في مجالات القراءة والصلاة والمناقشات الأخلاقية، لضمان تحقيق أهداف الجامعة
الخلقية. كما تضمن البرنامج تراتيل دينية، ولقاء مساء كل أحد، لممارسة بعض أشكال
التطهر الروحي والأخلاقي. وكان يواظب على حضور هذا اللقاء 40 طالباً، بعضهم من
المسلمين!! كما نظم اتحاد الطلاب برامج عنيت بالجوانب السلوكية والدينية، وتناول
الأسئلة المهمة في حياة الشباب، لكن منعت المقارنات الدينية والمناقشات السياسية
العلنية، منعاً باتاً منذ البداية، لتجنب الوقوع في براثن القوانين المصرية، وأيضاً
لمنع إثارة أية حساسيات ضد الجامعة.
ويعتقد "أمير بقطر" أن هذه البرامج الحديثة
نجحت لأن: "إظهار المعلمين ألوانهم على نحو واضح ومحدد، ودون أي مراوغات، نال إعجاب
الطلاب"().
ولقد وقف بعض رجال الصحافة المصرية، خلال هذه الفترة إلى جانب
الجامعة الجديدة فنشروا –بتأييد كبير- برامجها ونظمها وأعلنوا عن مميزاتها. ومن
هؤلاء "فارس نمر" محرر "المقطم" الذي بذلك جهوداً مضنية في هذا المضمار. كذلك لعبت
"الأهرام" دوراً مهماً في هذا الشأن حيث نشرت كثيراً من التقارير الصحفية حول نشاط
الجامعة().
وبلغت المصروفات الجامعية، في هذه الفترة 16 جنيها مصرياً (حوالي 80
دولاراً) في العام بالإضافة إلى مبلغ 13.5 ثلاثة عشر جنيهاً ونصف (67.5دولاراً)
نظير وجبة غذاء إجبارية تقدم للطالب ظهراً. وكان معنى ذلك، أن الجامعة، منذ
بدايتها، مؤسسة لخدمة طلاب الطبقات الاجتماعية الأرستقراطية فقط، وذلك على نقيض
السياسات التي معمولاً بها في مدارس الإرسالية الأمريكية الأخرى().
ولقد احتفلت
الجامعة بتخريج 20 خريجاً، في أول دفعة لها سنة 1923م، وبحضور ستة وزراء، ومحافظ
القاهرة، ومدير الأزهر الشريف، والأمير محمد علي. وفي السنة التالية، حضر سعد
زغلول، حفل التخريج، وكان وقتئذ رئيساً للحكومة، يرافقه خمسة من الوزراء الحاليين
والسابقين. وتحدث فارس نمر في أول احتفال للتخرج، وتضمنت قائمة المتحدثين في
الأعوام التالية: زكي العرابي وزير المعارف و"مورتون هويل" أول وزير مفوض أمريكي في
مصر، وطلعت حرب().
وأخذت الجامعة تتطور بسرعة مذهلة منذ إنشائها. فلقد تضاعف
حجم الطلاب أعداد البرامج الدراسية خلال السنوات التالية. ارتفع عدد الطلاب في
العام الدراسي 21/1922م من 142 طالباً إلى حوالي 200 طالباً. وأضيفت إلى البرنامج
الدراسي سنة ثالثة. وفي عام 1925م توسعت كلية الآداب وأصبحت الدراسة بها أربع
سنوات.
وفي عام 1921م أقيمت كلية جديدة للدراسات الشرقية للعناية بالدراسات
العربية اللغوية وعين "آرثر جيفري" مديراً لها. وكانت اهتماماته تدور أساساً حول
التاريخ الإسلامي المبكر. ولقد ساهمت مؤسسة "كارنيجي" الأمريكية في إقامة مكتبة هذه
الكلية. وجدير بالذكر أن هذه الكلية تطورت عن فكرة كان قد طرحها "واطسن" لضم مركز
دراسات القاهرة"، وهو مركز متخصص في تدريس اللغة العربية للأجانب، ولم يكن يضم
كثيراً من الطلاب، كما كان يعاني من مشكلات مالية، إلى رحاب الجامعة، لتدريب
الآخرين في اللغة العربية، وتزويدهم بدراسات كافية عن تطور الفكر الإسلامي().
كما تأسس قسم للتعليم المستمر، يقدم برامج الخدمة العامة في سنة 1924م، واشتمل
على محاضرات مسائية في بعض المجالات العملية. وأقيم مبنى خاص. وحضر حفل افتتاحه
توفيق نسيم ممثلاً للملك فؤاد.
وبدأ قسم التربية في ممارسة أنشطته على نطاق
واسع منذ عام 1926م، مع تعيين "راسل جالت" عميداً له().
واستمرت الجامعة في
التقدم والاتساع منذ نشأتها، على مدى أكثر من سبعين عاماً، لكن التطورات الأساسية
التي طرأت على تمويلها، وبرامجها، وهيئات تدريسها، وأعداد طلابها، حدثت مع منتصف
السبعينيات في أعقاب تحول المجتمع المصري اقتصادياً وسياسياً إلى نظام ليبرالي،
يأخذ بتنظيم الاقتصاد على أساس حر، أو ما أطلق عليه وقتها الانفتاح الاقتصادي.
وصاحب ذلك، بطبيعة الحال، انضمام مصر إلى منظومة الدول الرأسمالية، وإقامة علاقات
صداقة قوية مع هذه الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ناحية أخرى،
حدث تحول موازٍ في نشاط الولايات المتحدة في بلدان العالم الثالث خلال هذه الفترة،
حيث ظهر بجلاء شديد أنها لا تستهدف إخضاع الشعوب اقتصادياً وسياسياً فحسب، بل
وثقافياً أيضاً، وبرز إلى السطح سعيها الدءوب إلى "فرض الأنماط التعليمية الأمريكية
على العالم" وأصبح النظام التعليمي هو السعي إلى تدويل ذاته، أي إلى أن يصبح نظاماً
عالمياً للتعليم. وأدت هذه التطورات إلى حدوث نقلة كيفية في نشاط الجامعة
الأمريكية، وغدت منذ ذلك الحين، تمارس تأثيراً قوياً –لم تعهده قط- في المحيط
الثقافي المصري.
الانفتاح الاقتصادي وازدهار الجامعة الأمريكية:
بدأت
مصر في الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادي منذ عام 1974م. وتمثلت أهم نتائج هذه
السياسة في انسحاب الدولة من الاضطلاع بمسئولياتها الرئيسية في تمويل التعليم
وتوجيهه بما يخدم حاجات الشعب المصري، ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية،
وكان لهذا الانسحاب تأثير خطير في تدهور أحوال التعليم العام المنوط به إعداد
الفئات العاملة المختلفة كما ساعد من ناحية أخرى على ازدهار القطاع التعليمي الخاص
المكلف بإعداد الصفوة.
فلقد بدأت الطبقات الاجتماعية القادرة مع بداية سياسة
الانفتاح الاقتصادي، نتيجة عدم رضاها عن تعليم أبنائها في المدارس الحكومية ذات
المستوى المتدهور، في العدول عن إرسالهم إليها، وشرعت في استحداث نظامها التعليمي
الخاص، المتمثل في مدارس اللغات والمدارس الأجنبية. وهكذا شاهدنا منذ منتصف
السبعينيات هذا السيل المتدفق من مدارس اللغات الجديدة، بل وأكثر من ذلك، بدأت
الحكومة في تشجيع هذا التيار، وساهمت بقسط كبير في دعمه مالياً وعلمياً. ومن ذلك
على سبيل المثال، إنشاء "مجمع مصر للغات" بالجيزة، يتعلم فيه التلاميذ المعلومات
العامة والحساب والعلوم بواسطة الكمبيوتر. وتضاعفت خلال هذه الفترة أعداد الطلاب من
الفئات الاجتماعية المحظوظة التي تسعى إلى عواصم الغرب لتلقي التعليم، بل قام رأس
المال المصري بإنشاء المدارس هناك، مثل مدرسة نوال الدجوى بلندن.
وهكذا بدأت
الحكومة المصرية في تعاون كامل مع الطبقة الجديدة –باستحداث قنواتها التعليمية
الخاصة التي تتناسب مع توجهاتها وقيمها وطموحاتها، وهنا أيضاً يمكن تفسير انتعاش
الدور الثقافي والاجتماعي الذي تقوم به الجامعة الأمريكية كممثل لتربية هذه الطبقة،
وهذا هو الأصل أيضاً في الرغبة العارمة التي تساور هذه الطبقة لإنشاء جامعة أهلية
خاصة يوكل إليها مهام تعليم أبنائها. وفي هذا الصدد يصرح رئيس الدولة في عام 1985م
رداً على بعض أصحاب هذه الفكرة بقوله: "إنه مدرك تماماً للأسباب التي أبدوها. وإنه
يعلم جيداً أن القادرين والموسرين يزاحمون فعلاً أبناء الطبقات الكادحة في مجانية
التعليم الجامعي.. وأن هذا العبء الضخم الملقى على عاتق الإمكانيات المحدودة
والجامعات تعلم بالمجانية الكاملة قد أثرت على المستوى (الكيفي) للتعليم.." وقال
لهم أيضاً:
"إن منا من يفضل أن يقتطع من قوته لكي يعلم أبناءه بالمصاريف في
الجامعة الأمريكية بالقاهرة ليصيبوا عناية أكبر في التعليم. ولكن لو حدث وقامت
الحكومة غداً بمواجهة الأمر الواقع، وقررت مثلاً أن تسمح بإنشاء جامعة أهلية
بالمصاريف إلى جانب الجامعات الحالية، فسوف تخرج في الحال أصوات ترتفع، وأقلام تقول
إن الحكومة تعيد نظام الطبقات، وإنها انتكاسة كبرى وتلغي المساواة في الفرص…إلخ"().
على أي حال، فلقد أثرت سياسة الانفتاح الاقتصادي على أوضاع الجامعة الأمريكية،
بشكل مباشر في ثلاثة جوانب محددة:
1-أما عن الجانب الأول، وهو أهم هذه الجوانب،
فيتعلق بما حظيت به الجامعة خلال تلك الفترة من تشجيع الحكومة المصرية ومنحها مزايا
واسعة، كرمز للنوايا الطيبة للحكومة المصرية.
2-ساعدت سياسة الانفتاح الاقتصادي
والمناخ العام الذي أفرزته وما صاحبه من تشجيع رجال الأعمال الأمريكيين للعودة إلى
مصر، واستثمار هذا المناخ، وزيارة الرئيس السادات للقدس سنة 1977م، وتوقيع معاهدة
السلام مع إسرائيل وبداية الانصراف عن الاهتمامات القومية والعالمية التحررية
والانكماش داخل الحدود المصرية، وتحسن العلاقات المصرية الأمريكية، وبداية تدفق سيل
المعونات الضخمة من الولايات المتحدة الأمريكية على مصر.. كل هذه التطورات ساعدت في
تحقيق زيادات هائلة في موارد الجامعة الأمريكية المالية بشكل لم تشهده طوال
تاريخها، وبصورة ساهمت بقوة في زيادة برامجها وأنشطتها التعليمية، وتقوية تأثيرها
في المجتمع المصري.
3-خلق الانفتاح الاقتصادي طلباً متزايداً –في أسواق
العمالة- على خريجي الجامعات ممن يجيدون التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية. وأدى
هذا الطلب بدوره إلى رفع قيمة الشهادات التي تمنحها الجامعة الأمريكية، وإلى زيادة
تدفق الطلاب عليها في أعداد غفيرة، ودفع هذا العامل إلى تعجيل الجامعة باتخاذ
إجراءات التوسع في نشاطها وبرامجها.
وفيما يتعلق بالجانب الأول فلقد أدت
التغيرات الاقتصادية والسياسية التي حدثت منذ بداية السبعينيات إلى عودة العلاقات
بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وزيارة الرئيس نيكسون لمصر في يونيو 1974م،
وكان الرئيس السادات قد أصدر بعد الانتهاء من إعداد الترتيبات الخاصة بزيارة الرئيس
نيكسون لمصر، قراراً يقضي برفع الحراسة المفروضة على الجامعة بعد حرب 1967م، وعودة
السيادة الكاملة لمجلس الأمناء على كافة شئون الجامعة.
كما قابل الرئيس المصري
–للمرة الأولى- أعضاء مجلس أمناء الجامعة الأمريكية، حيث تمت دعوتهم على العشاء،
أثناء زيارة "هنري كيسنجر"، وفي نفس الليلة التي كان تم فيها توقيع اتفاقية فك
الاشتباك بين مصر وإسرائيل، في يناير 1974م، وتكررت مقابلة الرئيس السادات لأعضاء
المجلس، وصار ذلك عرفاً عادياً من بعده.
وفي مارس 1974م، أصدر وزير التعليم
العالي قراراً رسمياً بالاعتراف بالدرجات العلمية التي تمنحها الجامعة الأمريكية،
وبمعادلتها بالدرجات التي تمنحها الجامعات المصرية، فيما عدا ثلاث شهادات. ومن ثم،
فلقد ضمن خريجو الجامعة الأمريكية –لأول مرة في تاريخها- معاملتهم مثل أقرانهم
خريجي الجامعات المصرية، بما فيها إتاحة فرص التوظف الحكومي أمامهم، واستكمال
دراساتهم العليا بالجامعات المصرية.
وفي نوفمبر 1975م وقعت الجامعة اتفاقية مع
الحكومة المصرية، جاء فيها أن الجامعة الأمريكية مزدوجة الجنسية. وأن يكون قبول
الطلاب بالجامعة بنسبة 75% من المصريين، و25% من الأمريكيين. كما نصت أيضاً على
إعفاءات مرتبات العاملين بالجامعة التي يتم صرفها من المنح الأمريكية الصادرة
بمقتضى القانون 480، من الضرائب. وأن يكون رئيس الجامعة أمريكيا، ونائبه مصرياً.
وتأكد في هذه الاتفاقية أيضاً مبدأ معادلة الشهادات التي تمنحها الجامعة الأمريكية
بالشهادات المصرية، كما تم الاحتفاظ بوظيفة المستشار المصري، وعين حسين أمين فوزي
في هذا المنصب، وصدق مجلس الشعب على الاتفاق، وكذا مجلس الوزراء، ونشر كقرار جمهوري
رقم 146 لسنة 1976م بتوقيع الرئيس السادات.
وفي ضوء هذه التطورات، قرر مجلس
الأمناء، إضافة أعضاء جدد من المصريين والعرب. وكان المجلس مقتصراً في عضويته منذ
سنة 1968م على الأمريكيين فقط. وانضم بمقتضى ذلك القرار إلى المجلس "يوسف الجميل"،
نائب رئيس شركة عبد اللطيف جميل المتحدة بالمملكة العربية السعودية (وهو خريج
الجامعة الأمريكية بالقاهرة)، والشيخ كمال أدهم مدير شركة المقاولات العامة،
والمهندس أحمد عز الدين هلال نائب رئيس الوزراء السابق، ووزير البترول آنذاك،
ومصطفى خليل، رئيس البنك العربي الدولي ورئيس الوزراء الأسبق().
الجامعة
الأمريكية بين النشاط العلمي والتجارة متعددة الجنسية:
التغير الأساسي الذي
أسفرت عنه سياسة الانفتاح الاقتصادي، أن مؤسسات التعليم الخاص بوجه عام، والجامعة
الأمريكية بوجه خاص، قد حققت زيادات هائلة في مواردها المالية. ولقد شعر القائمون
على الجامعة، بضرورة استثمار المناخ العام المصاحب للأوضاع السياسية والاقتصادية
الجديدة التي سادت منذ منتصف السبعينيات، ووضع خطة تمويلية تساعد على استقلال
الجامعة مالياً، وثبات أحوالها المالية من ناحية، ومن ناحية أخرى تمكنها من
الاضطلاع بخطة توسع طموحة تتحقق خلال سنوات الانفتاح.
ولقد لجأت إدارة الجامعة
إلى اتخاذ بعض التدابير والإجراءات من أجل مضاعفة ميزانياتها، ومواجهة أعباء
التوسعات المرتقبة. ومن هذه الإجراءات ما يلي:
1-رفع المصروفات الدراسية
سنوياً. وبدأت الزيادة بنسبة 20% وبلغت مستويات غير معقولة، حتى أن الجامعة أعلنت
في عام 1983م، أن مصروفات العام الدراسي التالي أصبحت تعادل ما قيمته ألف دولار
أمريكي زادت المصروفات بين عام 77/1978م وعام 82/1983م بنسبة 31% مكونة بذلك –بحسب
ما تزعم إدارة الجامعة- ثلث الميزانية العامة للجامعة. ووصلت المصروفات عام 1986م،
ولأول مرة حوالي 50% من دخل الجامعة (وكانت تمثل 15% من الدخل عام 1978م).
وقل
اعتماد الجامعة الأمريكية، على الحكومة الأمريكية، في التمويل، وبعد أن كانت تتلقى
منها 43% من احتياجاتها أصبحت في حاجة فقط إلى ما قيمته 18%، ويزعم القائمون على
الجامعة أن المصروفات الدراسية لا تغطي أكثر من 20% من التكلفة الحقيقية لتعليم
الطالب. ومن ثم، فهي تحتاج إلى دعم ما بين 3 إلى 4 مليون دولاراً سنوياً لضمان
معقولية التمويل بالجامعة().
2-القيام بحملة واسعة ومكثفة للاستفادة من ظروف
الانفتاح، والعلاقات الطيبة بين مصر وأمريكا، والتوسع الاستثماري الأمريكي في مصر
لجمع تبرعات تساعد الجامعة على إنجاز التوسعات المناسبة لهذه الظروف الجديدة.
وظل القائمون على الجامعة يعدون لهذه الحملة عاماً كاملاً اعتمدوا فيه على
استشارة شركة "بريكلي" وشركة "جون برايس جونز". وحدد مجلس أمناء الجامعة هدفاً
للحملة يتمثل في جمع 22 مليون دولاراً من مصر والولايات المتحدة الأمريكية،
والمملكة العربية السعودية(!) ودول الخليج، على أن يتم ذلك خلال عام 1987م.
على
مدى أكثر من ستين عاماً، وهي تاريخ الجامعة الأمريكية بالقاهرة حتى تلك السنة، لم
يتجاوز حجم ما حصلت عليه من هبات ومنح مبلغ ثلاثة ملايين دولاراً، لكن الأوضاع الآن
باتت مختلفة أشد الاختلاف.
فلقد غطت الحملة ثلاث مناطق جغرافية: الولايات
المتحدة، مصر، المملكة العربية السعودية والخليج. وتكونت لجنة الإشراف على جمع
التبرعات برئاسة "هوارد كلارك" رئيس شركة "اميركان أكسبريس" وعضوية رؤساء شركات
"اكسون"، "وأتلانتك ريتشفيلد"، وشركة "مويل"، بالإضافة إلى "وليام روجرز"، و"سايروس
فانس" وزيري الخارجية الأمريكية السابقين.
وتشكلت لجنتان للإشراف على جمع
التبرعات داخل مصر. وتكونت اللجنة الأولى من "بطرس غالي" وزير الدولة للشئون
الخارجية، و"فؤاد سلطان" وزير السياحة، و"مصطفى خليل" رئيس البنك العربي الدولي،
ورئيس الوزراء الأسبق.
وضمت اللجنة الثانية بعض مديري الشركات متعددة الجنسية،
التي تعمل بالمنطقة مثل مدير شركة "جزال ديناميك" ومدير شركة زيروكس، ومدير نورثروب
ماريون ايه تي أندتي، ومدير شركة "ستي بنك" ومدير شركة "جنرال موتورز".
وتشكلت
لجنة الإشراف على نشاط حملة التبرعات بالمملكة العربية السعودية والخليج تحت إشراف
"شارلز هيدلاند" رئيس شركة "إسو" بالشرق الأوسط، وعضو مجلس الأمناء، ولقد تبرعت
أسرة "الجميل" السعودية بملغ (5) ملايين دولاراً هدية مبدئية للجامعة، وكان "يوسف
جميل" قد تخرج في الجامعة عام 1968م، وأنشأ بعد ذلك شركة لتوزيع سيارات "تويوتا"
والآلات الزراعية، النقل المختلفة، والتمويل الدولي والمقاولات. وذكر "يوسف الجميل"
"لهيدلاند": "إننا مدينون للجامعة الأمريكية بالقاهرة كثيراً، ولولا حصول يوسف على
تعليمه بها، ما كان باستطاعة أسرتنا أن تصنع ما حققته اليوم" واستخدم المبلغ في
إقامة "مركز عبد اللطيف جميل لدراسات الإدارة بالشرق الأوسط" (!!)
وشارك مجلس
خريجي الجامعة الأمريكية في نشاط حملة التبرعات بنصيب كبير. ولقد عينت "ماري
اسكندر" مديرة لمكتب الخريجين في عام 1977م، وكانت قد حصلت على شهادة الماجستير من
الجامعة الأمريكية. ولقد حققت كثيراً من المكاسب المادية والدعائية للجامعة عن طريق
الخريجين. وشملت استراتيجيتها إصدار نشرة دورية عن أخبار الجامعة ومجلسها وتوزع على
الخريجين، وتأسيس لجنة لإدارة العلاقات في أوساط الخريجين، وإقامة روابط للخريجين
في أنحاء متفرقة من الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، كما بادرت
"ماري اسكندر" بوضع تقاليد محددة لدعوة الخريجين في مناسبات عديدة شهرياً وسنوياً
وخلال عطلة نهاية الأسبوع. ويحضر هذه اللقاءات في الغالب أكثر من ألف خريج. كما
تأسس مجلس دولي للخريجين من أجل المحافظة على اتصال الجامعة بخريجها في كل أنحاء
العالم.
وتوج مجلس الخريجين نجاحه في هذا المضمار حين ضم إلى صفوفه السيدة
"سوزان مبارك" قرينة الرئيس مبارك، منذ أن كان زوجها نائباً لرئيس الجمهورية،
وأصبحت أول رئيس لمجلس خريجي الجامعة. وجدير بالذكر، أنها حصلت على شهادتي الليسانس
والماجستير من الجامعة الأمريكية (!) كما كان ابناها منتظمين بالدراسة بالجامعة
وقتئذ وليس من شك أن رئاستها للمجلس، في سنواته المبكرة زودته بشرط سياسي ضروري
لتحركه على نطاق واسع فعال.
كانت الحملة في مجملها ناجحة. فلقد أسفرت عن جمع
تبرعات قيمتها 18.4 مليون دولاراً حتى عام 1986م : 7.2 مليون دولاراً من الولايات
المتحدة الأمريكية، و 9.8 مليون من السعودية (!) ودول الخليج، 1.5 مليون دولار من
مصر.
وقد أسهمت الشركات الأمريكية العاملة بمصر والشرق الأوسط بمبالغ طائلة في
هذه الحملة ومن هذه الشركات: "أي بي إم –إسو- موبيل – أموكو- نورثروب- كونوكو-
أمريكان إكسبريس- تشيس- جنرال إليكتريك- سيتي بانك- وستنجهاوس- فنادق ماريوت- بنك
أوف أمريكا". وبنك مصر إيران، والبنك العربي الدولي، وكثير من الشركات الأخرى
المهمة العاملة في مصر والمملكة العربية السعودية. بلغت قيمة مساهمات هذه الشركات
ما يربو على 11 مليون دولاراً().
3-من الإجراءات التي لجأت إليها الجامعة
أيضاً، لزيادة مصادرها المالية، السعي للحصول على مبالغ طائلة من وكالة المعونة
الأمريكية. وحصلت، في هذا الصدد على كثير من المعونات. وفي عام 1981م، اتصل "توماس
بارتلت" والسيدة "مولى بارتلت" بالسناتور "مارك هارتفيلد" (رئيس لجنة التخصيص بمجلس
السناتور)، وأعضاء اللجنة من أجل التدخل لإنهاء إجراءات منحة سابقة من الولايات
المتحدة قيمتها 10 مليون جنيهاً، وللحصول على منحة جديدة قيمتها 8.75 مليون جنيهاً
مصرياً. وتحقق للجامعة كلا الهدفين في سنة 1982م، وتم إيداع قيمة المنحتين في حساب
الجامعة لاستخدامه فيما بعد.
فضلاً عن ذلك، فلقد أقر "مكتب المدارس والمستشفيات
الأمريكية بالخارج" الاستمرار في دعم الجامعة بمنح دولارية تفي بالتزاماتها الخاصة
بمرتبات وشراء الحاسبات الآلية، وصيانة المبنى الرئيسي للجامعة، وتجديد قاعات
الدرس، وإبدال نظام الاتصالات الهاتفية القديم، وشراء أجهزة هندسية حديثة.
بيد
أن أهم إنجاز حققته الجامعة في هذا الشأن، الاتفاق الذي أُبرم بين الحكومة
الأمريكية والحكومة المصرية في عام 1985م، وبمقتضاه تم تخصيص مبلغ 50 مليون جنيهاً
مصرياً من فائض الأموال، التي تمتلكها الولايات المتحدة بالجنيه المصري داخل مصر،
وتتسلمها السفارة الأمريكية بالقاهرة، لاستثمارها كوديعة لصالح الجامعة الأمريكية،
وتستفيد من عائدها سنوياً().
4-وفي ظل مناخ الانفتاح الاقتصادي، لجأت الجامعة
الأمريكية، إلى اتباع سياسة جديدة، تهدف إلى تحقيق مزيد من الاعتماد الذاتي في
توفير احتياجاتها المالية. فأنشأت في عام 1975م ما يعرف باسم "صندوق الجامعة
للأوقاف التربوية"، من أجل استثمار بعض الأموال في مشروعات اقتصادية متنوعة، تحقق
لها أرباحاً سنوية مضمونة. وساهمت وكالة المعونة الأمريكية في هذا الصندوق بمبلغ
8.5 مليون جنيهاً مصرياً من مخصصات كانت قد منحتها للجامعة في عام 1969م قيمتها 25
مليون جنيهاً، ولم يتم صرفها حينئذ لأسباب سياسية واشترطت الوكالة استخدام هذه
المخصصات في دعم مشروعات القطاع الخاص التي بدأت في الازدهار، بالإضافة إلى تحقيق
دخل ثابت يمكن الجامعة من التوسع في مشروعاتها التعليمية().
وفي نفس العام،
اتخذ القائمون على الصندوق قراراً باستثمار مبلغ 47.000 جنيهاً مصرياً في إنشاء
شركة سياحية، ولكن رغم استانا اسفج تصريح خاص بمزاولة نشاطها، تم العدول عن هذا المشروع
لأسباب غير معروفة. كما استثمر الصندوق جزءاً من أمواله في شراء قطعتين من الأراضي
بمنطقة الزمالك في عام 1975م.
وساهم الصندوق في إنشاء شركة القاهرة الصناعية
للمشروبات، الممثل المحلي لشركة "سفن أب"، و"كندادراي" لتعبئة الزجاجات، كما شارك
أيضاً في إقامة شركة الكويت الغذائية التي افتتحت بدورها فروعاً بجمهورية مصر
لمحلات "كنتاكي فرايد تشيكن" وومبى.
وقام صندوق أوقاف الجامعة بتأسيس شركة
الألمونيوم العربية، باستثمار مبدئي قيمته 1.5 مليون جنيهاً مصرياً، وحاز هذا
المشروع شهرة واسعة، لأنه أول المشروعات الممولة من مصادر أمريكية ومصرية بعد معارك
سنة 1973م.
وفي منتصف عام 1984م، حقق مبلغ الاستثمار الأصلي في بعض المشروعات
الاقتصادية (وقيمته 8.54 مليون جنيهاً مصرياً) أرباحاً زادت من قيمته فوصل إلى 9.74
مليون جنيهاً. ومنذ ذلك الوقت بدأت الجامعة في الاستفادة من أرباحها السنوية في هذه
المشروعات().
ومن الجوانب التي يجدر التعرض لها، إذا كنا بصدد تحليل أثر سياسة
الانفتاح الاقتصادي على مؤسسات التعليم، جانب الفساد المالي والإداري في قطاعات
التعليم المصري، وبصفة خاصة في الجامعة الأمريكية، حيث يقع كثيرون في وهم الاعتقاد
بأنها بمنأى عن الشبهات.
فلقد حدث أن اشترت الجامعة قطعة أرض بمنطقة الزمالك
بمبلغ 913.368 جنيهاً مصرياً. لكن الثمن المسجل في عقود الشراء الرسمية كان 300.000
جنيهاً فقط، أين اختفى باقي المبلغ ؟! يزعمون أنه تم تسليمه لبائع الأرض بواسطة أحد
موظفي "صندوق الأوقاف"!
وقام مفتش المعونة الأمريكية بفحص سجلات الصندوق وكتب
تقريراً جاء فيه إن:
"حسابات الصندوق ناقصة بدرجة كبيرة، بحيث يستحيل الاعتماد
عليها في استخلاص نتائج موثوق بها حول عمليات الصندوق الراهنة أو ظروفه المالية،
كما أن بيانات الميزانية غامضة. لا يمكن لأحد أن يتوقع متى يفلس الصندوق.. أضف إلى
ذلك أن نفقات سفر الموظفين وتكاليف استقبال الوفود بلا ضابط"().
وقرر مفتش
وكالة المعونة في تقريره اختفاء مبلغ 1,1 مليون دولار من واقع السجلات، وطالب
بإجراء تحقيق شامل بواسطة مكتب تحقيقات الوكالة، وحضر مفتش آخر أيد ما جاء بالتقرير
السابق، وأضاف أن عملية تسليم المبالغ المالية إلى صاحب أرض الزمالك، لا يمكن
قبولها بأي حال من الأحوال، لكنه أشار إلى:
"إن مثل هذه المعاملات شائعة في
مصر، وليس ثمة دليل على نوايا إجرامية للاحتيال على حكومة الولايات المتحدة" كما
"لم تنتهك قوانين الولايات المتحدة الأمريكية"().
وتم الكشف عن كثير من
الانحرافات الأخرى في حسابات كافة مشروعات الجامعة الاستثمارية في مصر، وسجلاتها،
وتكررت نفس الملاحظات السابقة عن مصروفات إدارة الصندوق في تقرير محقق ثالث عام
1978م.
على أية حال، ورغم وضوح عملية الاحتيال على الحكومة المصرية، وانتهاك
القوانين المصرية، إلا أنه لم تجر أية تحقيقات من جانبها.
وشاع بين أساتذة
الجامعة وطلابها، خلال تلك الآونة، أن الجامعة ا