قصر كبير رائع البنيان ، شلالات وحديقة غناء لا تعرف إلا الجمال اسما لها ، تمتد على طولها مأدبة طعام أصنافها مما لذ و طاب ليس بوسع ذاكرتي حفظ أسمائها ، أما الحسناوات .. يا ويلي !!!
فهن هنا وهناك يدعونّك للمائدة ، أمر غريب حقا ، لكن يا فرحة ما تمت ، إن هي إلا خطوة واحدة فقط باتجاههن حتى كان أحد الألغام كفيلا بإيقاظي من النوم بعد ما أفسد انفجاره حلما كاد يكون جميلا على اعتبار أننا لا نرى هذه الأفلام إلا في السينما والأحلام .
ذلك الجندي الضخم فتح باب الزنزانة ، وكعادتي كل صباح تهيأت لتناول وجبة الفطور السريعة التي يحضرها لي .
لكن ما الذي يجري يا ترى ...؟
انه لا يحمل أي وجبة طعام...!!
وقفت على قدمي ، وصرخت في وجهه : أين وجبة الطعام ؟ إن لم تحضرها الآن سأفجر رأسك هذا والبنتاغون وكل شيء في أمريكا ، هل تفهم ماذا أقول ؟
و سرعان ما تلاشت علامات الغضب من على وجهي و ارتسمت بسمة إرهابية خفيفة على شفتي المتحجرتين ، سألته بثقة كبيرة إفراج.....؟؟
أجاب NO ......يعني لا بالعربي ، فقلت في نفسي إذا لم يبقى إلا ذلك الاحتمال الرهيب يا ويلي إعدام .....؟ وقبل أن أكمل سلسلة تحليلاتي للوضع ، وضع الجندي يديه على خاصرتيه ورفع رأسه بثقة قائلا:
اليوم يصادف الذكرى الأولى لأحداث الحادي عشر من أيلول ، وبمناسبة مرور عام عليها، فقد تبنت الحكومة الأمريكية قرارا بتفويض من الكونغرس و إجماع مجلس النواب مباركا من قبل حضرات السادة الشيوخ يقضي بإقامة رحلة ترفيهية لجميع المعتقلين و الإرهابيين المشتبه بضلوعهم بأحداث 11 أيلول الرهيبة ، خاصة كادر و أعضاء نادي القاعدة الأفغاني .
لم تكد تمضي بضع دقائق ، حتى وجدت نفسي أنا و بقية الزملاء الإرهابيين أمام باص كبير ، مموه بشكل متقن لدرجة أن لوحة أرقامه تحمل رتبة عسكرية ، لم يكن سيئا على كل حال ، و ليس من نوع الهوب هوب أو تابع لشركة أمريكان أيرلا ينز American Air Line.
أنطلق الباص والفرحة تغمر عيوننا جميعا ، أصابتني موجة من الحماس ثم بدأت بالغناء :
وين..... وين ..... وين ...... شيخي أسامة ..... وين
في صدري مدفع رشاشة والبارودة ............ هين .
فجأة وقف أحد الزملاء الإرهابيين متسائلا عن وجهة الرحلة ، فأرداه الكابتن تومي قتيلا، معتبرا تسائل الزميل المرحوم تجاوزا للحريات العامة وخرقا واضحا لقوانين وأنظمة الرحلات العسكرية المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل العالمية .
من جهة أخرى أكد المتحدث الرسمي باسم الباص على أهمية هذه الرحلة وسريتها التامة وذلك حفاظا على سلامة الأمن القومي ، داعيا إلى التزام الهدوء وضبط النفس في المواقف الرسمية وغير الرسمية ، فيما أطلق على هذه الرحلة اسم ( نزهة الصحراء ) ، فوقف أحد الزملاء من جديد يصرخ ويندب حظه على اليوم الذي ولد فيه وهو يردد :
يا ويلي ..... نزهة الصحراء .....نزهة الصحراء ..... يا ويلي ؟ !
فقلت له ما بك ؟ ماذا في الأمر ؟ إن لم يعجبك الاسم غيره يا أخي .
فصرخ في وجهي قائلا :
نزهة الصحراء عبارة عن برنامج تلفيزيوني ساهر تتخلله فقرة عامرة باليورانيوم المستنفد،وقبل أن يستنفد الزميل ما تبقى عنده من ملاحظات ، كان الكابتن تومي قد استنفد مخازن أسلحة الجيش كلها في رأس الزميل فأرداه قتيلا هو الأخر ، معتبرا أن العناصر الواعية في المجتمعات المتخلفة تشكل عائقا أمام الأطماع والمصالح الاستعمارية في دول العالم الثالث الصديقة منها والصديقة .
يا ويلي .... ما الذي يجري هنا ؟ قلت في نفسي
يا الهي ما هذه الرحلة ؟ أيضا هذه قلتها في نفسي فان كانت خارجها لأصبحت روحي خارج جسدي ، مما جعلني أكتفي بمشاهدة المناظر الطبيعية على الطريق ، من حقول واسعة للألغام وأسراب الطيور و F-16 ، فيما كانت البحيرات الجميلة تعج بالغواصات الأليفة والضفادع البشرية .
أخيرا توقف الباص ، وأعلن المتحدث العسكري عن وصول الرحلة إلى وجهتها ، وما إن ترجلّنا حتى انتصب أمامنا مارد كبير جدا ، لم نعرف من أين ننظر إليه ، صاح أحد الزملاء ساانا اسف : أعتقد أنه شبيه بأبو الهول ، فقتل على الفور بعد ما أعتبر ذلك الكابتن غريب الأطوار كلام الزميل المرحوم إهانة للأب الروحي للعالم المستر : ( تمثال الحرية ) قاطعته فورا بقولي : روح عنّا يا ، عيار أبوكم هذا طيارة تدريب صغيرة ، ولم أكد أكمل كلامي حتى اصطدمت إحدى الطائرات بالتمثال فحولته إلى هباء منثور .
وقتل ذلك الجندي كل الزملاء ورمى بي في الباص وقال للشوفير :
دوّر .... دوّر ، وانطلق الباص بسرعة وعدنا إلى منتجع غوانتانتمو مسرورين.
وردد الجميع الأغنية ورائي ، ولم نكن نستطيع التصفيق بسبب الأغلال والقيود التي كنا نرتديها كالملابس الضّيقة ، فصفق الجنود الأمريكيون عوضا عنا وكانوا مسرورين